1) رباط اجتماعي متماسك :
إن رابطة الزواج هي الأصل في تكوين الأسر ، وعن طريق ترابط الأسر وتعاونها تتكون المجتمعات الإنسانية والأجناس والشعوب والقبائل المتنوعة ، وهنا تظهر الحكمة الإلهية في خلق الشعوب والقبائل
قال تعالى : ( يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) الحجرات 13
فالتعارف والتعاون وقيام المصالح هو الذي يجب أن يسود بين المجتمعات المؤمنة وهنا تظهر حكمة التشريع الإلهي .
والمجتمعات الغربية التي تخالف هذه الفطرة الطبيعية ، وهي سنة الزواج ، وتكوين الذرية هذه المجتمعات تعاني من أمراض كثيرة تعصف بالحياة الاجتماعية ،والقيم الأخلاقية ، وتهدد استقرار تلك المجتمعات مثل نزعة الفردية ، والأنانية ، وعدم تحمل المسئولية ، بل حتى الإحصائيات أثبتت أن نسبة المنتحرين غير المتزوجين أكثر من أصحاب الأسر .
يقول الدكتور مقداد يالجن :
" إن بعض الأفراد من الجنسين قد يشعر بضعف الدافع الجنسي ، ويدفعه هذا إلى الإعراض عن الزواج ، وهذا الإعراض عن الزواج خطأ في نظر الإسلام لأن رسالة الزواج ليس أمراً فردياً فقط ………… بل هي أمر اجتماعي أيضاً ، لأن الله عندما خلقه خلق مقابلاً له من الجنس الآخر ، فإذا هو استطاع الحياة بدون الزواج فقد لا يستطيع الآخر ، وبالتالي فإن عدم زواجه يسبب حرمان الآخر ، أو وقوعه في الحرام ، ولهذا شجع الإسلام على الزواج، واعتبر المعرض عنه معرضاً عن سنة الإسلام .
وهذا هو الجانب البيولوجي من الحاجة ، وهناك الجانب السيكولوجي النفسي من الحاجة إلى الزواج أيضاً ، والجانبان مرتبطان ، فكما أن عدم إشباع هذا الدافع يؤدي من الناحية البيولوجية إلى تقليل نشاط الغدد الجنسية التي تؤدي بدورها إلى تقليل نشاط الجسم ، كذلك تؤدي من الناحية السيكولوجية إلى بعض الاضطرابات النفسية ، والقلق ، والانحراف عن السوء في بعض المظاهر السلوكية ، وهذا مرتبط بالعوامل البيولوجية والبيئية والسيكولوجية ."[1]
إن الاستقرار النفسي والاجتماعي والترابط الأسري يعكس مدى رقي المجتمعات المدنية، ولا أعني بالرقي هنا الجانب المادي فقط ، فذاك تعريف قاصر ، وإنما أعني رقي المجتمعات في ميزان العدل الإلهي . والتاريخ يشهد وخاصة في عهود الإسلام الأولى كيف سادت هذه الأمة ، وملكت وجه الأرض ، وعمرت الدنيا ، وقدمت للمجتمعات البشرية خير مثال ونموذج للمعاملة بالحسنى ، والدعوة إلى مكارم الأخلاق ، والترغيب بالتي هي أحسن حتى أقبل الناس في دين الله أفواجاً .
2) تحصين النفس البشرية
إن من مقاصد الزواج العامة في المجتمعات الإنسانية ما يحصل فيه من صيانة للأخلاق وحماية للأعراض ، ووقاية من أسباب البغضاء والعدوان ، ودرء لكثير من المفاسد والآثام.
( و لأن الله تعالى لو ترك الناس إلى طبائعهم الحيوانية يجتمع كل رجل بامرأة أرادها كما ترك عجم الحيوانات … لعمت الفوضى … ونشأت مضار اجتماعية تلحق الأذى بالأفراد والجماعات البشرية . )[2]
وفي المجتمعات الغربية التي شاعت بها الإباحية ، ونكاح الأخدان ،زادت نسبة الولادات غير الشرعية على 50 % ، وأحياناً وصلت إلى 70 % ، وفي سنة 1901 نشر تقرير يفيد أن عدد اللقطاء في مقاطعة واحدة فقط في فرنسا هي مقاطعة السين بلغ خمسين ألف لقيط [3]
3) تحديد العلاقات الاجتماعية :
ومن مقاصد الإسلام العظيمة في الزواج بيان حقوق كل من الزوج والزوجة ، وما عليه من واجبات تجاه الآخر ، وإذا تحقق هذا ؛ عرف كل واحد منهما دوره في هذه الحياة ، وسار على هذا المنهاج الذي رسمه الإسلام للأسرة ، وإذا تحقق هذا حصل الاطمئنان في النفوس وسكن الرجل إلى زوجته ، وسكنت هي إليه ، فتعمهما المودة والرحمة . وهذه الركيزة الأساسية التي تقوم عليها الأسرة [4] وكذلك تحديد علاقات الأبناء بالآباء ، والأبناء بعضهم من بعض والأقارب ، وذوي الأرحام ، وهكذا حتى يتكامل البناء الأسري ، ويتم الترابط الاجتماعي ، وبذلك يحصل الاستقرار العام في المجتمعات .
4) تحقيق مطالب الطبيعة الإنسانية :
فقد خلق الله تعالى الإنسان ، وأودع فيه هذه المطالب الفطرية ، وهذه الحاجة لا بد من إشباعها بالطرق المشروعة ، وكبت هذه الحاجات ينشأ عنه الانحراف في التصور ، وفي السلوك ، والذين اعتقدوا أن في ترك الزواج زيادة تقرب وزلفى إلى الله تعالى انحرفوا وحادوا ، بل وتطرفوا في نهاية الطريق ، وذلك لإعراضهم عن فطرة الله التي فطر الناس عليها ، " لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم " .
ولا ينظر الإسلام إلى الزواج تلك النظرة المادية البحتة ، وإنما ينظر إلى عاقبة الزواج ، وخاتمة الحياة ، حيث تكثر الذرية الصالحة التي تعبد الله ، وتحقق معنى الاستخلاف في الأرض ، وهي التي أرادها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:
" تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة " إن الإكثار من النسل ، وتعدد الذرية مما يفتخر به النبي صلى الله عليه وسلم بين الأنبياء عليهم السلام يوم القيامة ، ووسيلة ذلك هو تحقيق مطالب الطبيعة الإنسانية .
5) الوقاية من الأضرار والحماية من الانحراف :
وهذا الهدف من مقاصد الزواج العامة ، ومن حكم الإسلام العظيمة ؛ فالمجتمعات التي سارت على مناهجها البشرية لم يتحقق فيها هذا الهدف ، فلم تسلم من الأمراض ، ولم تحم نفسها من الانحراف .
وهذا بخلاف الأمراض الأخرى الكثيرة والمتنوعة التي تعصف في المجتمعات الغربية ، فهذه وزارة العدل الأمريكية ، ومكتب التحقيقات الفيدرالي وغيرها مثل منظمات حقوق الإنسان ، تنشر إحصائيات مذهلة حول الجرائم الأخلاقية وآثارها على المجتمعات الغربية ومنها :
أن عدد 3 ملايين طفل يموتون سنوياً من آباء شاذين أخلاقياً وسلوكياً ، وأن 5 ملايين أنثى تعرضت لممارسة جنسية وهي بين سن الخامسة إلى الثانية عشر سنوياً ، وأن أكثر مـن 6 ملايين طفل يعيشون تحت تأثير والدين مدمنين للمخدرات في تقرير نشر سنة 1996 [6]
هذا إلى غير ذلك من مظاهر الانحراف الأخرى مثل القتل والسرقة والتزوير وغيرها .
وكل هذا الانحراف بسب الإعراض عن دين الله تعالى ، وصدق الله العظيم إذ يقول : ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ) طه 124